الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.حرب سقمان وجكرمس الافرنج. قد تقدم لنا استيلاء الافرنج على معظم بلاد الشام وشغل الناس عنهم بالفتنة وكانت حران لقراجا من مماليك ملك شاه وكان غشوما فخرج منها لبعض مذاهبه وولى عليها الاصبهاني من أصحابه فعصى فيها وطرد أصحاب قراجا منها ما عدا غلاما تركيا اسمه جاولى جعله مقدم العسكر وأنس به فقرره وتركه وملك حران وسار الافرنج إليها وحاصروها وكان بين جكرمس صاحب جزيرة ابن عمر وسقمان صاحب كيفا حروب وسقمان يطالبه بقتل ابن أخيه فانتدبا لنصر المسلمين واجتمعا على الخابور وتحالفا وسار سقمان في سبعة آلاف من التركمان وجكرمس في ثلاثة آلف من الترك والعرب والاكراد والتقوا بالافرنج على نهر بلخ فاستطرد لهم المسلمون نحو فرسخين ثم كروا عليهم فغنموا فيهم وقتلوا سوادهم وأخذ القمص بردويل صاحب الرها أسره تركماني من أصحاب سقمان في نهر بلخ وكان سمند صاحب انطاكية من الافرنج ونيكري صاحب الساحل منهم قد كمنا وراء الجبل ليأتيا المسلمين من ورائهم عند المعركة فلما عاينوا الهزيمة كمنوا يومهم ثم هربوا فاتبعهم المسلمون واستلحموهم وأسروا منهم كثيرا وفلت سمند ونيكري بدماء أنفسهم ولما حصل الظفر للمسلمين عصى أصحاب جكرمس باختصاص سقمان بالقمص وحملوه على أخذه لنفسه فأخذ جكرمس من خيام سقمان وشق ذلك عليه وأراد أصحابه فأبى حذرا من افتراق المسلمين ورحل وفتح في طريقه عدة حصون وسار جرمكس إلى حران ففتحها ثم سار إلى الرها فحاصرها خمس عشرة ليلة وعاد إلى الموصل وقاد من القمص بخمسة وثلاثين ألف دينارا ومائة وستين أسيرا من المسلمين..وفاة بركيارق وولاية ابنه ملك شاه. ثم توفي السلطان بركيارق بن ملك شاه بنردجرد في أوائل ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين لاثنتين عشرة سنة ونصف من ملكه جاء إليها عليلا من اصبهان واشتد مرضه بنردجرد فولى عهد لابنه ملك شاه وعمره نحو من خمس سنين وخلع عليه وجعل الامير اياز كافلة وأوصى أهل الدولة بالطاعة والمساعدة وبعثهم إلى بغداد فأدركهم خبر وفاته بالطريق ورجع اياز حتى دفنه باصبهان وجمع السرادقات والخيام والجثر والسمسمة لابنه ملك شاه وكان بركيارق قد لقى في ملكه من الرخاء والشدة والسلم ما لم يلقه فلما استقر واستقامت سعادته أدركته المنية ولما توفي خطب لابنه ملك شاه ببغداد وكان أبو الغازي قد سار من بغداد إليه وهو باصبهان يستحثه إلى بغداد وجاء معه فلما مات سار مع ابنه ملك شاه والأمير اياز إلى بغداد وركب الوزير أبو القاسم علي بن جهير فلقيهم به مالى وحضر أبو الغازي والأمير طغلبرك بالديوان وطلبا الخطبة لملك شاه فخطب له ولقب بألقاب جده ملك شاه..حصار السلطان محمد الموصل. لما انعقد الصلح بين بركيارق ومحمد واختص كل منهما أعماله وكانت اذربيجان في قسمة محمد رجع محمد إلى أذربيجان ولحق به سعد الملك أبو المحاسن الذي كان نائبا بأصبهان بعد أن أبلى في المدافعة عنها ثم سلمها بعد الصلح إلى نواب بركيارق واستوزره فأقام محمد إلى صفر من سنة ثمان وتسعين ثم سار يريد الموصل على طريق مراغة ورحل وبلغ الخبر إلى جكرمس فاستعد للحصار وأدخل أهل الضاحية إلى البلد وحاصره محمد ثم بعث له يذكره ما استقر عليه بينه وبين أخيه وأن الموصل والجزيرة له وعرض عليه خط بركيارق بذلك وبايمانه عليه ووعده أن يقرها في عمالته فقال له جكرمس أن السلطان كتب إلي بعد الصلح بخلاف ذلك فاشتد في حصاره واشتد أهل البلد في المدافعة ونفس الله عنهم برخص الاسعار وكان عسكر جكرمس مجتمعين قريبا من الموصل وكانوا يغزون على أطراف العسكر ويمنعون عنهم الميرة ثم وصل الخبر عاشر جمادي الاولى بوفاة السلطان بركيارق فاستشار جكرمس أهل البلد فردوا النظر إليه واستشار الجند فأشاروا بطاعة السلطان محمد فأرسل إليه بذلك واستدعى وزيره سعد الملك فدخل عليه وأشار عليه بلقاء السلطان فخرج إليه على كره من أهل البلد فتلقاه السلطان بالكرامة وأعاده سريعا إلى البلد ليطمئن الناس..استيلاء السلطان محمد على بغداد وخلع ملك شاه ابن أخيه ومقتل أياز. قد كنا قدمنا صلح بركيارق وأخيه محمد من أنه يستقل بركيارق بالسلطنة وينفرد محمد بالاعمال التي ذكرنا وموت بركيارق أثر ذلك وتقديم إبنه ملك شاه ببغداد فوصل الخبر بذلك إلى محمد وهو يحاصر الموصل فأطاعه جكرمس وسار محمد إلى بغداد ومعه جكرمس وسقمان القطبي مولى قطب الدولة إسماعيل بن ياقوتي بن داود وياقوتي عم ملك شاه ومحمد وغيرهما من الامراء وجمع صدقة صاحب الحلة العساكر وبعث إبنه بدران ودبيسا إلى محمد يستحثانه وجاء السلطان محمد الى بغداد فاعتزم الامير أياز أتابك ملك شاه على دفاعه وخيم خارج بغداد وأشار عليه بذلك أصحابه وخالفهم وزيره أبو المحاسن الضبعي وأبلغ في النصيحة له بطاعة السلطان فأقام مترددا ونزل محمد بالجانب الغربي وخطب له هنالك منفردا ولهما معا في بعض الجوامع واقتصر على السلطان العالم في بعضها ورجع اياز إلى استحلاف الامراء ثانيا فوقف بعضهم وقال لا فائدة في إعادة اليمين وارتاب أياز عندها وبعث وزيره الضبعي أبا المحاسن لعقد الصلح مع السلطان واستحلافه فقرأ على وزيره سعد الملك أبي المحاسن سعد بن محمد فدخل معه الى السلطان وأجابه الى ما طلب وجاء معه من الغد قاضي القضاة والفتيان واستحلفاه لاياز وللامراء فحلف إلا أن ينال الحسامي وو قال أما ملك شاه فهو ابني وأنا أبوه وجاء اياز من الغد وقارن وصول صدقة بن مزيد فانزلهما واحتفى بهما وذلك آخر جمادي الاولى من سنة ثمان وتسعين ثم احتفل اياز بعدها في عمل صنيع للسلطان في بيته وهي دار كوهراس وأهدى إليه تحفا من جملتها حبل البلخش الذي أخذه من تركة نظام الملك بن مؤيد الملك واتفق ان اياز تقدم لمواليه بلبس السلاح ليعرضهم عل السلطان وكان عندهم مصفعان فألبسوه درعا تحت ثابه وتناوله بالنخس فهرب عنهم ودخل في حاشية السلطان مذعورا فلمسوه فاذا الدرع تحت ثيابه فارتابوا ونهض السلطان إلى داره ثم دعا الأمراء بعد ذلك بأيام فاستشارهم في بعث يبعثهم إلى ديار بكر ان ارسلان بن سليمان بن قطلمش قصدها فاتفقوا على الاشارة بمسير اياز وطلب هو أن يكون معه صدقة بن مزيد فأسعفه السلطان بذلك واستدعاهما لانفاذ ذلك وقد أرصد في بعض المخادع بطريقهم جماعة لقتل اياز فلما مر بهم تعاورته سيوفهم وقطع رأسه وهرب صدقة وأغمى على الوزير وهرب عسكر أياز فنهبوا داره وأرسل السلطان من دفعهم عنها وسار السلطان من بغداد الى اصبهان وهذا أياز من موالي السلطان ملك شاه ثم سار في جملة ملك آخر فساء وأما الضبعي وزير أياز فاختفى أشهرا ثم حمل إلى الوزير سعد الملك في رمضان فلما وصل كان ذل سبب رياسته بهمدان.
|